الاعــاقة العقليــة
تعد الإعاقة العقلية من المشكلات الخطيرة التي يمكن أن تواجه الفرد، والتي يمكن أن يتمثل أثرها المباشر في تدني مستوى أدائه الوظيفي العقلي وذلك إلى الدرجة التي تجعله يمثل وجهًا أساسيًا من أوجه القصور العديدة التي يعاني منها ذلك الفرد حيث أن الجانب العقلي رغم ما يعانيه هذا الفرد من مشكلات متعددة يعد هو أصل الإعاقة التي يعاني منها، والتي تترتب عليها مشكلات عديدة في جوانب النمو الأخرى، وفي غيرها من المهارات المختلفة التي تعتبر ضرورية كي يتمكن الفرد من العيش والتعايش مع الآخرين وتحقيق التوافق معهم، والتكيف مع البيئة المحيطة.
ومما لا شك فيه أن هناك أنماطًا متعددة للإعاقة العقلية بمعنى أن الأمر لا يقف عند حدود نمط واحد بعينه تشير إليه مثل هذه الإعاقات، بل يتخطاه إلى ما هو أكثر من ذلك، فتعدد مثل هذه الأنماط وإن ظلت هناك أنماط ثلاثة رئيسية تعد الأكثر انتشارًا بينها على مستوى العالم بأسره وقد تتأثر مثل هذه الأنماط بعوامل أو أسباب معينة تعد مشتركة بينها جميعًا، كما أن هناك اسبابًا خاصة بكل نمط من تلك الأنماط.
مجال الإعاقة العقلية ومايخصه هو بحر واسع لمن يريد أن يتعمق في مثل هـذا الموضوع، لكن هـذا المقال يتناول عناوين رئيسية في هـذا الموضوع وهي:
- ماهي الإعاقة العقلية وتعريفاتها؟
- أسبابهــا
- تشخيصهـا
- تصنيفاتهــا
أولًا: التعريف:
تمثل مستوى من الأداء الوظيفي العقلي الذي يقل عن متوسط الذكاء بانحرافين معياريين ويصاحبها قصور في السلوك التكيفي الاجتماعي، وتظهر في مراحل العمر النمائية منذ الميلاد وحتى سن ۱۸ سنه.
•التعريف الطبي للإعاقة العقلية:
الأسباب المؤدية إلى إصابة المراكز العصبية في الدماغ كالأسباب الوراثية والبيئية.
•التعريف السيكومتري للإعاقة العقلية:
الأفراد الذين تقل نسبة ذكائهم عن 75 درجة على منحنى التوزيع الطبيعي.
•التعريف الاجتماعي للإعاقة العقلية:
يركز على مدى نجاح الفرد أو فشله في الاستجابة للمتطلبات الاجتماعية المتوقعة منه مقارنة مع نظائره من نفس المجموعة العمرية.
•التعريف التربوي للإعاقة العقلية:
التدني الواضح في التحصيل المدرسي وخاصة في مهارات القراءة والكتابة والحساب.
•تعريف الجمعية الأمريكية للتخلف العقلية:
اعتمدت الجمعية الأمريكية تعريف هيبر بعد مراجعته عام ١٩٦١م.
وينص على:
"تمثل الإعاقة العقلية مستوى الأداء الوظيفي العقلي الذي يقل عن متوسط الذكاء بانحراف معياري واحد، ويصاحبه خلل في السلوك التكيفي، ويظهر في مراحل العمر النمائية منذ الميلاد وحتى سن ۱۸".
ثانيًــا: الأسبــاب:
لقد بُذِلَت جهود في العقود الماضية لتحديد أسباب الإعاقة العقلية، ومع ذلك لا تزال الأسباب غير معروفة في بعض الحالات، لكن في الغالبية العظمى تحدث الإصابة نتيجة لعامل واحد أو تجميع متشابك من العوامل الثلاثة الآتية:
١- حاله وراثية
٢- عوامل بيئية
٣- بعض الاضطرابات الصحية أو الأمراض
يمكن تصنيف العوامل المسببة للإعاقة العقلية على أساس المرحلة الزمنية التي حدثت فيها هذه العوامل إلى:
١- مرحلة ما قبل الولادة
٢- مرحلة فترة الولادة
٣- مرحلة ما بعد الولادة
أولًا: العوامل المسببة للإعاقة العقلية في مرحلة ما قبل الولادة:
١- الوراثة
الوراثة هي العامل المسؤول عن حوالي 80 % من حالات الإعاقة العقلية، وذلك لوجود تلف أو قصور أو خلل في خلايا المخ أو الجهاز العصبي المركزي.
تحدث الإعاقة نتيجة لبعض العيوب المخية الموروثة عن طريق الجينات المتنحية، وقد يحمل الأب أو الأم هذه الجينات دون أن يتصفوا بالإعاقة العقلية، ولكن عند تفاعل هذه الجينات مع بعضها تتولد الصفات الوراثية التي تحدد صفات الفرد من مختلف النواحي.
٢- الخلل في الكروموسومات
ولعل أشهر مثال معروف على مثل هذا الخلل الذي يمكن أن يحدث في عملية انقسام الكروموسومات هي الحالة المسماة بالمنغولية "down 's syndrome"، والمصابين بهذه الحالة يحملون 47 كروموسومًا بدلًا من 46.
٣- الأشعة
تؤثر الأشعة تأثيرًا ضارًا بالجنين إذا تعرض لها وعمره أقل من ثلاثة أشهر، فهذا يؤدي لتعرض الأجنة للإصابة بتشوهات، وقد أكد ذلك ما حدث في هيروشيما وناجازاكي، حيث تبين أن النساء اللاتي تعرضن إلى الإشعاع الناتج عن انفجار القنبلة الذرية ممن كنَّ في بداية الحمل فإن حالات صغر الرأس بين مواليدهن قد ارتفعت.
ويتوقف أثر هذه الاشعه على جرعه وحجم الأشعة، والعمر الذي يتعرض فيه الفرد للإشعاع ولعل أخطر مراحل العمر تأثرًا بالأشعة السينية هي مرحلة ما قبل الولادة وخاصة في الشهور الثلاثة الأولى من الحمل.
٤- الحصبة الألمانية
الحصبة الألمانية هي أحد أخطر الأمراض التي يمكن أن ينتقل تأثيرها من الأم إلى الجنين، واحتمال إصابة الجنين تكون في حدود 50 % إذا كانت إصابة الأم بهذا المرض قد حدثت خلال الشهر الأول.
٥- تعاطي العقاقير والأدوية خلال الحمل
تناول العقاقير والأدوية خلال الحمل له خطورة بالغة على الجنين وخاصة خلال أشهر الحمل الأولى ويجب توخي الحذر من تناول الأدوية المهدئة والمضادات الحيوية والهرمونات دون استشارة طبيب مختص.
٦- الأمراض المزمنة عند الأم
كثير من الأمراض المزمنة عند الأم الحامل قد تؤدي إلى أضرار تصيب الجنين فالأم المصابة بحالة الـ (PKU) تكون عرضة لأن تحمل أطفال معاقين عقليًا.
٧- الولادة قبل الأوان
الولادة المبكرة هي واحدة من الأسباب الرئيسية للإعاقة العقلية وهذا السبب لوحده مسؤول عن حوالي 24.5 % من حالات الوفيات عند الأطفال حديثي الولادة، وهو مسؤول أيضا عن حوالي 15 % : 20 % من جميع حالات الإعاقة العقلية.
ثانيًــا: عوامل تحدث أثناء الولادة:
١- الأطفال المبتسرون "عدم اكتمال الحمل"
أثبتت الدراسات أن هناك علاقة بين الإعاقة العقلية وبين الولادة المبتسرة، فالولادة المبكرة لها مجموعة من الأسباب والنتائج وكلها تكون ضد الوليد، فالمواليد غير المكتملين أكثر عرضة للتلف العصبي.
٢- الإصابات الجسمية
قد تحدث أثناء الولادة بعض التعقيدات والتي تؤدي لجرح دماغ الوليد أو إلى نزيف داخلي، وقد يؤدي التلف إلى التخلف الشديد والشلل والتشنجات أو الشلل المخي ومشكلات في الإدراك ونشاط حركي زائد.
٣- الصفراء
تحدث هذه الحالة عند تدمير خلايا الدم الحمراء بشكل سريع ويكون الكبر غير قادر على تمثيل الصفراء مما ينتج عنه نقص في الأكسجين، وهذه الصفراء تؤدي إلى تلف عصبي وقد ينتج عنها تكون إعاقه عقلية شديدة ويكون لدى الطفل قصورًا إدراكيًا وتأخرًا في اللغة وصعوبات في التعلم.
٤- نقص السكر "هيبوجلسيميا"
يؤدي نقص السكر في الدم إلى الإعاقة العقلية، وتشمل أعراض نقص السكر ضعف الصراخ الصادي عند الطفل، التشنجات والزرقة، ضعف حركه العضلات، عدم انتظام التنفس، وصعوبة التغذية، ودوران العين.
ثالثًا: عوامل تحدث ما بعد الولادة:
١- سوء التغذية
من أسبابها الحرمان والفقر والعادات السيئة في التغذية وكلها تؤدي لمشكلات في الجهاز العصبي ونقص الفيتامينات ونقص اليود في الطعام مما يؤدي لتضخم الغدة الدرقية، ونقص الحديد يؤدي إلى الأنيميا وغيرها...
وجميعها يؤدي إلى الإعاقة العقلية.
٢- التهاب السحايا
وهو مرض يصيب الأطفال الصغار أكثر من الكبار وتشير الدراسات إلى أن 15 % إلى 20 % من الأطفال الذين يصابون بهذا المرض يعانون من الإعاقة العقلية.
٣- خلل الغدد
هناك بعض حالات الإعاقة العقلية التي يتأخر ظهورها و تكون نتيجة خلل في الغدد الصماء مثل حالات نقص إفراز الغدة الدرقية، وحالات انسداد القنوات الناقلة للسوائل للجهاز العصبي المركزي، وتؤدي هذه المشكلات إلى الإعاقة العقلية خاصة في مرحلة الطفولة المبكرة.
٤- المواد الكيماوية
تختلف آثار السموم الواحد عن الآخر ويختلف تأثيرها على الجسم من فرد لآخر، والمواد الكيماوية ذات تأثير سام على الجهاز العصبي المركزي، فتحدث أضرارا بنقص الأكسجين عنها، وتؤثر بشكل مباشر على الأنسجة فتحدث تلفًا وقد يكون حادًا أو مزمنًا.
٥- الأمراض والالتهابات
تعتبر الأمراض والالتهابات التي يتعرض لها الأطفال في سنوات حياتهم الأولى سببًا مباشرًا من أسباب حدوث الإعاقة العقلية، وتشير الدراسات إلى أن 15 % إلى 20% من الأطفال الذين يصابون بهذا المرض يعانون من الإعاقة العقلية.
٦- سوء استخدام العقاقير والأدوية
تعمل العقاقير والأدوية كونها مواد سامة إذا أُخذت بكميات مبالغ بها وتؤدي لتلف الجهاز العصبي المركزي وإلى العديد من الأمراض العقلية والنفسية والعصبية.
ثالثًـا: التشخيص:
تشخيص المعاق عقليًا مهمة ليست سهلة، ويختلف سلوك الأطفال باختلاف درجة إعاقتهم، لذا يتطلب الأمر جهودًا وملاحظة للأعراض الداخلية والخارجية ودراسة نشأتها وتطورها.
يتضمن التشخيص وصفًا دقيقًا لحالة الشخص وتحديدًا لمستوى عجزه الفكري والمعرفي ونوعه.
ويهتم التقييم بثلاث نواحي أساسية:
١- تحديد ما إذا كان الطفل معاقًا عقليًا أم لا
٢- تصنيف الطفل المعاق عقليًا ضمن لفئات الإعاقة العقلية
٣- تحديد إمكانات الطفل المعاق ونقاط القوة والضعف لديه حتى يمكن تنمية قدراته
إن تشخيص حالة الإعاقة العقلية يترتب عليها مستقبل الطفل وعلاقته مع أسرته، لذلك يجب أن تتم عملية التشخيص من برنامج متكامل يُعد من قبل فريق من المتخصصين بحيث يشمل جوانب النمو الجسمية والحساسية والحركية والعقلية والانفعالية والاجتماعية؛ حتى يظهر جوانب القصور والضعف بدقة مما يساعد على تقديم الخدمات العلاجية والتأهيل المتكامل اللازم للارتقاء بالطفل وتنميته في جميع نواحي النمو، ويتفق الباحثون على ضرورة التقييم الشامل والتشخيص التكاملي في تحديد الإعاقة العقلية، ويشمل التشخيص التكاملي الجوانب التالية:
١- التشخيص الطبي: ويتم بواسطة طبيب الأطفال للتعرف على الحالة الطبية والعضوية والفسيولوجية.
٢- التشخيص السيكومتري: ويتم بواسطة ٱخصائي القياس النفسي وذلك باستخدام المقاييس الخاصة مثل: مقياس وكسلر أو مقياس ستانفورد أو مقاييس أخرى للقدرة العقلية.
٣- التشخيص الاجتماعي: ويتم بواسطة الأخصائي الاجتماعي للتعرف على المعوقات الاجتماعية والتكيفية، ويتم باستخدام مقاييس خاصة مثل مقياس السلوك التكيفي ومقياس النضج الاجتماعي.
٤- التشخيص التربوي: ويتم بواسطة أخصائي التربية الخاصة باستخدام مقياس المهارات اللغوية والتحصيلية للتعرف على القدرة على التعلم.
٥- التشخيص الفاروقي: للتفرقة بين الإعاقة العقلية والإعاقة الأخرى كالتوحد واضطراب الكلام والصرع والفصام وغيرها.
ما الفرق بين الإعاقة العقلية والمرض العقلي؟
هناك من يخلط بين الإعاقة العقلية وبين المرض العقلي وقد يعتبرونه شيئًا واحدًا ولكن الواقع غير ذلك، فالمرض العقلي عبارة عن اختلال في التوازن العقلي ينتج عنهم مشكلات في الشخصية واضطرابات في السلوك، ويحدث في اي وقت من مراحل العمر وقد يشفى منها المريض اذا استجاب للعلاج.
أما الإعاقة العقلية فهي عبارة عن نقص في درجة الذكاء وذلك نتيجة توقف النمو في الذكاء، وتحدث أثناء فترة الحمل أو الطفولة ولا يمكن الشفاء منها إذا حدثت.
رابعًــا: التصنيف:
الهدف الجوهري لاستخدام أي نظام للتصنيف في مجال الإعاقة العقلية هو المساعدة على وضع وتخطيط برامج وخدمات ملاءمة للأفراد الذين يقع مدى أدائهم العقلي في نطاق المستويات المتأخرة عقليا.
ويمكن تصنيف الإعاقة على أساس الأسباب إلى:
ٱ- الإعاقة العقلية الأولية
والتي يرجع السبب فيها إلى ما قبل الولادة أو قبل الإخصاب ويقصد بها العوامل الوراثية وتحدث في حوالي 80 % من حالات الضعف العقلي العائلي.
ب- الإعاقة العقلية الثانوية
والتي تعود إلى أسباب تحدث أثناء فترة الحمل أو أثناء فترة الولادة أو بعدها وتؤدي إلى إصابة الجهاز العصبي في مرحلة من مراحل النمو ويحدث ذلك في حوالي 20% من حالات الإعاقة العقلية.
ما تصنيف الإعاقة العقلية؟
ويمكن التصنيف على أساس السلوك التكيفي حسب تصنيف الجمعية الأمريكية للإعاقة العقلية إلى:
١- الإعاقة العقلية البسيطة
وهي الفئة التي تحدد نسبه الذكاء بين 50 :70 درجة ويتوقف النمو العقلي لها عند عمر 10:7 سنوات، ويعتبر أفراد هذه الفئة قابلين للتعلم والاستفادة من البرامج التربوية مع العلم أنهم بطيئو التقدم ولديهم ضعف في التحصيل وعيوب في النطق كما أن لديهم إمكانية الاستقلال اجتماعيًا واقتصاديًا في المستقبل.
٢- الإعاقة العقلية المتوسطة
تتراوح نسبه ذكاء هذه الفئة بين 35: 49 درجة، ويعاني أفرادها من التأخر في النمو العام، ويتوقف النمو العقلي عند مستوى 7:3 سنوات، ويمكن اعتبار معظمهم قابلين للتدريب، ويمكن تدريبهم للعناية بأنفسهم إلا أنهم مع ذلك يبقون بحاجة إلى الإشراف ويمكن إعداد بعضهم للقيام بأعمال بسيطة، ويمكنهم تعلم المبادئ الأساسية البسيطة في القراءة والكتابة والحساب، وقد يحتاج بعضهم إلى أن يوضعوا في مراكز خاصة، وتمثل هذه الفئة حوالي 10 % من مجموع المعاقين عقليا.
٣- الإعاقة العقلية الشديدة
تتراوح نسبه ذكاء هذه الفئة بين 21 :34 درجة، ويتوقف نمو هؤلاء عند مستوى عمر أقل من 3 سنوات، أما قدرتهم على تعلم اللغة والقدرات الحركية وتعلم الكلام فمحدود جدا، ولا يستطيع المعاق حماية نفسه من الأخطار الطبيعية ويفشل في اكتساب العادات الأساسية في النظافة والتغذية وضبط عمليات الإخراج، ويحتاج إلى رعاية شديدة من الآخرين في كل شيء وفي جميع الحاجات الأساسية والضرورية، وقد يحتاج بعضهم إلى إيداع في مراكز الرعاية الداخلية.
٤- الإعاقة العقلية الحادة "الاعتمادية"
تقل نسبه ذكاء هذه الفئة عن 20 درجة، كما يعاني أفرادها من ضعف رئيسي في النمو الجسمي وفي قدراتهم الحسية والحركية وغالبا ما يحتاجون إلى رعاية وإشراف دائمين، وإذا تمكن بعضهم من تعلم بعض المهارات الأساسية فإنها تكون في العادة في حدها الأدنى مع نمط بسيط في القدرة اللفظية، ولكنهم مع ذلك يبقون في حاجة للرعاية المستمرة.
إعداد/ نسمـــة نــادي