ما لا تعرفه تاريخ الأندلس
يمثل تاريخ الأندلس أكثر من ثمانمائة سنة من تاريخ الإسلام (92هـ -897هـ)، وهذا ما يُوافق فترة حكم العهد الأموي بالضبط خلافة الوليد بن عبد الملك.
الأندلس الحالية هي إسبانيا والبرتغال ويُطلق عليها الجزيرة الايبرية، حيث جاء إسمها من قبائل الفندال الهمجيين الذين جاؤوا من شمال إسكندنافيا وإستوطنوها، ثم حكمها طوائف أخرى من النصاري المعروفين بـ "القوط الغربيين"، في ذلك الحين أي قبل الفتح الإسلامي كانت أوروبا والأندلس بالأخص تعاني من الجهل والبُعد عن العدل والحضارة.
بعد فتح الشمال الإفريقي وصل المسلمون لحدود المغرب الأقصى فكان هناك سبيلين: إما التوجه شمالًا نحو الأندلس بعبورهم مضيف جبل طارق أو التوجه جنوبًا نحو الصحراء الكبرى، ولأن هدف المسلمين لم يكن إمتلاك المساحات الشاسعة وجمع الممتلكات فإتجهوا نحو الأندلس لقلة السكان بالصحراء الكُبرى.
فقد كان هدفهم إيصال دعوة الله للجميع وهذا ما إتبعه المسلمون في كل فتوحاتهم.
الإسلام والأمازيغ:
دخل الإسلام في الشمال الافريقي قبل فتح الأندلس بسبعين سنة لكن الأمازيغ الذين سكنوها إرتدوا عن الإسلام أكثر من مرة ثم في أواخر سنة 705 إستقر الاسلام على يد موسى بن نصير.
من يكون موسى بن نصير؟
يعتبر من أحد القادة الشُجعان آنذاك فقد تربى في كنف القادة _والداه_ اللذان شهدا معركة اليرموك، بعد مرور السنين عُين واليًا على المغرب وقد كان هدفه حينذاك هو تثبيت دعائم الإسلام في شمال إفريقيا لكن قبل ذلك بدأ في التقصي عن الأسباب التي أدت إلى حدوث الإرتداد، فوجد أن عقبة بن نافع قد أخطأ في تركيزه على الكمية لا النوعية، بمعنى أنه كان يفتح البلاد فتحًا سريعًا طمعًا في فتح دول أخرى فقد إستغرق شهور معدودة عكس موسى بن نصير الذي إستغرق ست سنوات، كما إستغل الأمازيغ غياب الحماية لعقبة بن نافع فإنقلبوا عليه وقتلوه ما جعل موسى حريصًا.
العقوبات والتجهيزات:
بعد نجاح دعوة موسى بن نصير قرر نشر الإسلام في بلد آخر، فوقع إختياره على بلاد الأندس التي كانت فكرة قديمة صعب عليهم تحقيقها، لم يكن الأمر سهلًا، فقد كان طريق موسى بن نصير شائكًا مليئ بالعقبات كقلة السفن كون معظم معارك المسلمين كانت برية، قلة عدد المسلمين وقوتهم المحدودة عكس النصارى المتواجدين بالأندلس.
لم يستسلم موسى بن نصير وبدأ بهمة عالية في تشييد السفن وبناء الموانئ البحرية، وعلَم الأمازيغ الإسلام وغرس حب الجهاد في نفوسهم وصار معظم جنود الجيش الإسلامي أمازيغ بعد أن كانوا محاربين له، وولى القيادة لطارق بن زياد لكفاءته، وقدرته على فهم قومه فقد كان أمازيغيا يجيد التحدث بكلتا اللغتين _العربية والأمازيغية_ لكن تبقت مشكلتي مدينة سبتة ذات الموقع الإستراتيجي المُهم لإحتوائها على مضيق جبل طارق، والطبيعة الجغرافية لبلاد الاندلس لم يتمكن موسى بن نصير من حلهما لإرتباطهما ببعضهما وقد كانت قواه قد إستُنزفت، حيث كانت بلاد الأندلس تحت حكم "لُذريق" الذي قتل حاكمها السابق بعد أن قام بإنقلاب ضده ما زرع الحقد في قلب يليان حاكم مدينة سبتة كونه كان صديقًا للحاكم السابق،
فعصفت به الأفكار للتحالف مع المسلمين ضد حاكم الأندلس الظالِم، ومن تدبير رب العالمين إختمرت تلك الأفكار في عقل يليان فأرسل لطارق بن زياد عرضًا ينص على تسليمه ميناء سبتة ومده بمعلومات عن أرض الأندلس بشرط أن يتم إسترجاع أملاك الحاكم السابق من لُذريق.
نقل طارق بن زياد الخبر لموسى بن نصير الذي تلاشى اليأس وقلة الحيلة من قلبه وحل مكانهما السُرور، فإستأذن من الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك على فتحها، أذن له الوليد بذلك لكن إشترط عليه التأكد من معلومات يليان بسرية خوفًا من غدره لهم.
جهز موسي بن نصير خمسمائة رجل بقيادة طريف بن مالك الذي كان أمازيغيا، ثم سار بجيشه صوب بلاد الأندلس وقام بدراسة المنطقة الجنوبية للبلاد التي سينزل بها المسلمون، بعد إنتهائه من حملته الإستطلاعية شرح لموسى بن نصير كل ما رآه فبدأ الآخر بتجهيز الجيش والعُدة وقد إستغرقه ذلك سنة كاملة تُوجت بتجهيز سبعة آلاف مُقاتل.
أول قتال ببلاد الأندلس:
تحرك المسلمون وعبروا المضيق من خلال السفن، ثم وصلت لُذريق أنباء عن وصول طارق بن زياد وجنوده لم يلقي بالًا للموضوع ظنًا منه أنها مجرد غزوة الغاية منها نهب الثروات فقط، لكن عند معرفته بوصولهم لقُرطُبة توجه مُسرعًا نحو طُليطلة_عاصمة الأندلس_ مُرسلًا قوة عسكرية بقيادة إبن أخته، فحدث القتال بالقرب من الجزيرة الخضراء وإنتهى بإنهزاهم وموت قائدهم، بحيث تبقى القليل منهم فقط ففروا شمالًا نحو حاكمهم لُذريق مُخبرين إياه بما حصل لينزل الخبر عليه كالصاعقة مما جعله يشعر بخطر محدق، فجهز جيشه المكون من مائة ألف وإتجه بهم قاصدًا الجنوب لمواجهة المسلمين، عند معرفة طارق بن زياد بالأمر أرسل لموسى بن نصير مستنجدًا به فلبى الأخير طلبه بإرسال خمسة آلاف جندي بقيادة طريف بن مالك، بوصولهم بدأ طارق بن زياد بالإستعداد للمعركة وقام بالبحث عن أرض صالحة للقتال فوقع إختياره على منطقة واد بَرْبَاط، وصل لُذريق بأبهى حلة مع جنوده جالبًا معه الحِبال ظنًا منه أن الأمر سينتهي بتقييدهم وجعلهم عبيدًا له، شاعرًا بالشفقة نحوهم وبالغرور لكثرة عدد جيشه، لكن شتان بين فريق ينصره ربه ويُحارب في سبيله وفريق يُحارب مُكرهًا مُرغمًا يُحارب الله ويتطاول على شرعه.
بدأت المعركة في شهر رمضان وإستغرقت ثمانية أيام صمد بها المسلمون أمام تلاطم سيوف النصارى، فكان النصر حليفهم بقوتهم الإيمانية وكانت حصيلة الشُهداء _رحمهم الله_ ثلاثة آلاف شهيد، أما عن لُذريق فقد إختفى إما ميتًا أو هاربًا نحو الشمال، وإختفى معه ظلام الظُلم والجهل وأشرقت شمس الرقي والتقدم بأنحاء الأندلس.
أكاذيب الأوروبيين عن المعركة:
إنتشرت قصة حرق طارق بن زياد للسُفن التي عبر بها وذاعيت صيتها خاصة عند الأوروبيين الذين وجدوها كحجة واهية لتُهون من فتح الأندلس وإنتصار المسلمين، قائلين أن طارق بن زياد قام بذلك ليُرغم جيشه ويُحمسه على خوض القتال ضد جيش لُذريق، لكن بعض المؤرخين نفوها، معللين أنها لو كانت صحيحة لكان هناك رد فعل من طرف موسى بن نصير أو الوليد بن عبد الملك.
توسيع الفتح الإسلامي بأرجاء الأندلس:
بعد إنتصار المسلمين، كانت روحهم المعنوية عالية عكس القوطيين كما أن الجيش الإسلامي شهد تضخمًا كبيرًا بعد إنضمام الناس إليه من الشمال الافريقي، فوجدها طارق بن زيادة فرصة للمواصلة على الفتح والتوغل داخل الأندلس.
لكن وصلته تنبيهات من موسى بن نصير أن لا يتسرع في الفتح خوفًا من قوة وعدد جيوش النصارى، لكن طارق بن زياد لم تكن له نفس وجهة النظر كون الجهة الجنوبية المُحيطة بالعاصمة قد فُتحت فـهي إذًا خالية من الأخطار، أما من باقي الجهات فهي محاطة بالجِبال، نجح في فتحها دون قتال فواصل الزحف شمالًا، لكن رغم نجاحه إلا أن ما قام به لم يُعجب موسى بن نصير، فقرر إمداده بالعُدَّة وجهز جيوشًا من العرب مُكونة من ثمانية عشر ألفًا شخص، ثم إتجه بهم قاصدًا الأندلس وبالتحديد المناطق التي لم يفتحها طارق بن زياد، لم يكتفِ موسى بن نصير بذلك فإستدعى إبنه الذي فتح غرب الأندلس بالكامل _التي تمثل البرتغال حاليًا_ بعد لقاءهما أكملا عمليات الفتح معًا، مدينة تلو الأخرى حتى تم الإنتهاء من فتح كل الأندلس ماعدا منطقة واحد تسمى بـمنطقة الصخرة.
توقيف الفتوحات ووفاة موسى بن نصير:
لم يكملا الفتح وعادا بأدراجهما إلى دمشق بعد وصول رسالة من الوليد بن عبد الملك والتي نصت على ضرورة رجوعهما بعد أن خشيّ من عودة إلتفاف النصارى حول المسلمين، وخاصة بعدما سمع أن موسى بن نصير ينوي فتح القسطنطينية من الجهة الغربية من خلال التوغل بأوروبا وفتحها، مما يجعلهم بعيدين كل البُعد عن مصادر الإمداد، لم يجد موسى بن نصير بيده حيلة، فعاد بصحبة طارق بن زياد إلى دمشق أين وجد الوليد على فراش الموت، ثم لم يلبث أن مات وتولى أخاه سليمان الخلافة وكان رأيه من رأي أخيه _أن لايتم إستكمال الفتح خوفًا من هلاك جيش المسلمين_
بعد مرور عام قرر سليمان بن عبد الملك الذهاب للحج فرافقه موسى بن نصير الذي دعا أن يموت في أرض الجِهاد أو بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، فبعد عودته من الحج للمدينة المنورة وافته المنية ودُفن مع الصحابة رضوان الله عليهم، في حين لم يعلم أحد إن عاد طارق بن زياد للأندلس أم بقيَ في دمشق.
بداية عهد الولاة:
بعد إنتهاء عهد الفتح، بدأ عهد الولاة الذي إستمر 42 سنة، حيث كل سنتين أو ثلاث سنوات يُعين واليًا جديدًا ما إنعكس سلبًا على بِلاد الأندلس. قُسم عهد الولاة إلى فترتين مختلفتين لإختلاف طريقة الإدارة وطريقة الحكم، دامت أول فترة 27 سنة والتي تميزت بإنتشار الإسلام في بلاد الأندلس، وعلى غرار إنخراط الفاتحِين بالسكان الأصليين نشأ جيل المولَّدين _أب أمازيغي أو عربي وأم أندلسية_ ، أُلغيت الطبقية من طرف المسلمين الذين إتخذوا مدينة قُرطبة كعاصمة لهم، كما إهتم الإسبان بتعلم اللغة العربية، وشارك بعض الولاة في فتح فرنسا، أما الفترة الثانية شهدت ضعفًا كبيرًا ودامت 15 سنة.
تابعونا من أجل معرفة المزيد عن عهد الولاة.
إعداد/حسناء