قيمة القراءة وتأثير وسائل الإعلام عليها
ميزنا الله عن سائر مخلوقاته بالعقل الذي يُفكر و يُدبر لكن رغم ذلك كان الجهل مسيطرًا على الناس آنذاك ولم يكن هناك مجالاً للعِلم والتعلم، إلى أن أُنزلت أول كلمة في القرآن الكريم "إقرا"، كلمة مكونة من أربع حروف واضحة المعنى تهدف لإنارة ظُلمة الجهل الحالِكة التي أعمت بصائر الناس وجعلتهم يصدقون الأباطيل والخرافات متناسين قدرتهم المميزة على غربلتها.
تلعب القراءة دورًا هامًا في تطوير جانب التنمية الحضارية والثقافية للفرد وذلك كون الكتاب يعتبر مصدرًا رئيسيًا للثقافة والذي من طياته تنبثق معلومات فذة كُتبت بحرس شديد وتفكير عميق من طرف الكاتب الذي لم ينقطع عن بحثه المُستمر سواء كان ذلك قبل أو أثناء كتابته ليتلقاه القارئ بلهفة لإكتشاف مضمونه والغرق في بحر تفاصيله مستعملًا في ذلك عقله لسبر أغوار ما كُتب على تلك الصفحات، لكن مع الأسف في وقتنا الحالي عُرفت القراءة على أنها وسيلة لسد الفراغ والقضاء على الملل خاصة بعد إنتشار الكثير من وسائل الإعلام.
ما الفرق بين القراءة ووسائل الإعلام؟
بالمقارنة بينهما يتفوق الكتاب عن الإذاعة والتلفاز في توليد الرأي العام فالصورة المرئية والكلمات المسموعة غير كافيتان لخلقه كونهما لا يمدان القارئ الوقت الكافي لإستيعاب ما سمعه عكس تلك الكلمات التي خُطت من طرف كاتب يمد رأيه بالمنطق لا بإثارة المشاعر كباقي الوسائل مما يسمح لقارئه التفكير والتمعن والبحث فيما قرأه، صحيح لا ننكر أن التليفزيون يحتوي على بعض البرامج التثقيفية لكن كون الحلقات محدودة الوقت فلن يكون المُشاهد قادرًا على إستيعاب ذلك الكم الهائل من المعلومات عكس الكتاب الذي يسمح له بتأمله في أي وقت.
كيف نستعيد قيمة القراءة؟
هناك فجوة عميقة بين القراءة والشباب وليس هناك ما يملأها ويقضي عليها سوى مشروع القراءة الذي سيستعيد قيمتها، ويضمن تكوين مجتمع مثقف وواعي، كما أن للوالدين دورًا كبيرًا في غرس حب القراءة والمُطالعة في نفوس أولادهم منذ الصِغر يمكن أن يكون ذلك بتعويدهم على القصص ثم بتقدم أعمارهم يدخلونهم لعالم الكُتب السهلة البسيطة بغية تثقيفهم.
لماذا نقرأ؟
البعض يقرأ من أجل المتعة والبعض الآخر من أجل المعرفة بهدف فتح آفاق جديدة في عقولهم كما أنه من الصعب تكوين دولة بدون قراءة فنحن نتعلم لنقرأ ثم نقرأ لنتعلم ونستغل ذلك العِلم من أجل التقدم في مختلف مجالات الحياة وذلك لا يحدث بالأموال الطائلة فكم من ملوك إمتلكت مال الدنيا وفي الأخير سقطت ممالكها وتشرد شعبها.
كيف نحل مشكلة وسائل الإعلام وكيف تكون القراءة الصحيحة؟
أول خطوة يجب علينا تقبل حقيقة وسائل الإعلام أنها تضر أكثر مما تفيد وإستبدالها بمطالعة الكتب المفيدة ويكون ذلك بالتدرج لأن لاشيء يأتي بسهولة ولا بتلك السرعة، فالأشياء الجميلة تأخذ وقتًا.
ثاني خطوة هي إختيار المجال الذي يهتم به أكثر ثم التطرق لباقي المجالات من أجل التنويع.
وثالث خطوة هي كيفية إستخراج المعلومات من أجل الإستفادة ويكون ذلك عن طريق التركيز خلال القراءة وتحديد الأفكار الرئيسية ووضعها جانبًا ثم يبحث عن كل فكرة من أجل التأكد من صحتها ومن الأحسن أن يتناقش مع أشخاص مهتمين بنفس الموضوع لتبادل الأفكار وتوسيعها أو مشاهدة مناقشات وآراء القراء حول ذلك الموضوع.
هل على القارئ تصديق كل مايقرأه؟
الإنسان فضولي بطبعه يسعى للمعرفة لكن ليست كل المعلومات قد تناسبه لذا توجب عليه أن يكون له مختلف المبادئ والأساسيات الدينية والإنسانية والسياسية.. قبل ولوجه لعالم القراءة.
إن فرضنا أن القارئ يسعى لتطوير معرفته الدينية وإختار دون دراية منه بعض الكتب التي قد تسيئ لديننا وتنشر قصصا كاذبة عن الأنبياء والصحابة هنا يدق ناقوس الخطر، ويتوجب عليه البحث عن الأصح أي يجب عليه عدم تصديق كل ماهو مكتوب بحجة أن الكاتب تعب في جمع كل ما كتبه او وثق بالكلام لأنه حرك مشاعره حتى لو كان لا يمت للواقع بصلة؛ كما إتفق الجميع على أن أفضل وسيلة لتعلم لغة ما وإتقانها هي المطالعة لذا يتجه القُراء العرب للكتب الأجنبية التي بعضها قد لا تتناسب مع مبادئهم الدينية وبالإستمرار ستتشكل بعقولهم أفكارًا جديدة تُفسد تفكيرهم وأخلاقهم لذا هنا على القارئ إختيار الكتاب الذي يناسب مبادئه وقيمه.
كيف تحافظ على القراءة؟
كل مِنا مشغول في حياته بطريقة تجعله مضغوطًا غير قادرًا على القيام بأبسط الأشياء ومنها القراءة، وأساس المشكلة هو عدم تنظيم الوقت؛ لذا وجب على القارئ تنظيم الأشياء التي سيقوم بها خلال اليوم حسب أولوياته ويمكن أن يعتمد في ذلك على طريقة ال To do list، وليس عليه قراءة 100 صفحة في اليوم أو أكثر فقراءته لعشر صفحات أو أقل بشكل يومي دون إنقطاع ستشكل فارقًا كبيرًا وسيحافظ على شغفه في المطالعة ويتعود على ذلك فتصبح عادة يومية لا يستطيع الإستغناء عنها ولا إراديا سيخصص لها وقتًا، وعليه أن يتعامل معها على أنها شيء أساسي في يومه وليست وسيلة لقتل الملل خلال وقت راحته.
كيف يختار القارئ كتابه؟
في القِدم لم تتوفر وسائل الطباعة بكثرة لذا لم يكن إمتلاك كتاب ما من نصيب الجميع، لكن بتطورها تزايد معها عدد الكُتب المطبوعة والمنشورة على شكل pdf وبالتالي تنوعت معها الأفكار والمعلومات والبعض منها خاطئ والبعض الآخر غير مناسب لجميع الأعمار، ما جعل القارئ يتساءل"كيف أختار الكتاب الصحيح؟" هنا على القارئ التطلع على خلفية الكاتب وتوجهاته وتقييمات القُراء، وأن يركز على إرتباط موضوع الكتاب بما يريد معرفته، كما يجب على الآباء الانتباه على ما يطالعه أبنائهم لأنه مثلما تكون القراءة منارة طريقهم و منبع ثقتهم بأنفسهم من الممكن أيضا أن تكون مصدرًا هداما لهم ويكون تأثيرها سلبي.
لقد قيل أن الكُتب هي النوافذ التي تطُل على حقائق الحياة، كما تعتبر للكثير من القُراء خير الجليس والأنيس خاصة في الأوقات التي تسدل بها الوحدة ستارها وتحكم حصارها عليهم لتخنقهم الأفكار التي تنهال على عقلهم بإستمرار، فإن رحل الناس أجمع يبقى الكتاب ملتصقًا بياقة قميص صاحبه يرفض هجره، وقد صدق من قال:"نحن نقرأ لنحيا فحياة واحدة لا تكفينا".
إذا انتهيت من قراءة هذا المقال فلابد أن تسرع في اختيار الكتاب المناسب لتبدأ فيه.
إعداد/حسناء هيلوفة.